نقد وجهة نظر الغائب في القصص التي تجعل رسول الله شخصية أدبية (الجزء الآخر)
ثانيا- البناء الفني ووسائله
(6)
بعد أن أوضح الكاتب هذه الفلسفة التي سيعمد إلى بثها خلال قصته، أو التي اختار السيدة خديجة لبثها؛ لأنها تمثل موضوعه الذي جعله يقدم السيدة خديجة؛ فهو لم يقصدها ليجلي سماتها فقط أما للمؤمنين، بل ليجلي سماتها التي تخدم فكرته وموضوعه.
فعل ذلك على عكس ما ينبغي وعلى عكس ما فعله الأستاذ إبراهيم محمد الجمل في قصته "أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين" المقررة على الصف الأول الإعدادي.
كيف؟
لقد حدد الرجل فلسفة عمله في قوله في المقدمة ص3: "يسعدنا أن نقدم لكم قصة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ... وهدفنا من تقديم هذا الكتاب لكم يتمثل في:
1- تعرف سيرة هذه المناضلة العظيمة وما قدمته لدينها وقومها.
2- تعرف أسلوب حياة المسلمين في عصور الإسلام الأولى وما قدموه في سبيل المحافظة على الإسلام ورفع رايته.
3- الاقتداء بهؤلاء العظماء في سلوكهم القويم".
ثم أكد ذلك في الخلاصة ص45 حيث قال: "تختتم هذه القصة بالهدف الذي نسعى إليه وهو الأسوة والقدوة في سيرة أسماء في الكرم وقوة الإيمان والصبر والشجاعة والصمود؛ لتكون نبراسا لكل فتاة مؤمنة معتزة بربها ودينها ونفسها، والله الموفق".
هذا ما ينبغي أن يكون هدفا من سير هؤلاء العظماء الذي ما كانوا إلا بالدين وللدين.
وقد جاءت القصة وأحداثها وبناءها وفق هذا الهدف فخرجت متميزة عن تلك التي نحن بصددها، وقد يكون ذلك من المؤلف أو من المراجع الذي أعدها للدراسة الأستاذ مصطفى كامل مصطفى وقد يكون من المراجع الأستاذ أحمد حسن حمزة.
لكن ما يهمنا أن هذا هو النموذج للفكرة التي تحدد معالم البناء الفني بوسائله.
(7)
أقول: بعد أن حدد فلسفة عمله حدد وجهة النظر الذي سيروي من خلالها الأحداث.
فماذا كانت؟
كانت وجهة نظر الغائب التي تجعل المؤلف هو المهيمن على كل عناصر قصته من شخصيات ورسمها ظاهرا وباطنا وحوارا ومناجاة وغير ذلك، وهذه خطرة زلقة.
كيف؟
إذا كانت مع شخصيات وهمية ينشئها المؤلف تكون الصعوبة في رسم الشخصية وتحديد سلوكها ولغتها بما يلائم ثقافتها، فإذا كانت تاريخية أضيفت صعوبة تمثل الشخصية الحقيقية، فإذا كانت شخصية مقدسة صار الأمر يتطلب الالتزام بالروايات الصحيحة.
فهل التزم الأستاذ أحمد محمد صقر بذلك؟
والجواب الذي يظهر من كلماته وسطوره هو: لا.
كيف؟
في المساحة التي يقولها المؤلف نيابة عن الشخصية وصفا نجده خرج عما ينبغي وسأضرب مثالين:
ورد أولهما ص15 عند حديثه عن زواج السيدة خديجة الأول فنجده يخبرنا عنها قائلا: "ودخلت السيدة خديجة أبواب الحياة الجديدة كبيرة الأمل شديدة الطموح، لكنها مع ثقتها الشديدة بنفسها وحب زوجها لها وحديث الناس عن مستقبلها الباهر- كانت تحس بخوف شديد من الأيام، يحدثها قلبها بأنها تخفي بداخلها شيئا لا يعلمه غير علام الغيوب".
انظر كيف سرد الرجل أنها كانت تحس بخوف ويحدثها قلبها أن الأيام تخفي شيئا غير جيد، من أين علم الرجل ذلك؟ وما قيمة هذا الحدث المخترع؟ ألصنع عنصر تشويق يكون الأمر كذلك؟
وأما ثانيهما فقد ورد ص39 بعد أن حدثها خادمها ميسرة عما شهده في الرحلة من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "استقر كلام ميسرة في قلب السيدة خديجة، ولم تستطع أن تطرد صورته من عقلها".
انظر الطريقة الفيملية التي تظهر فيها الممثلة وهي مشغولة ويطاردها شبح من تحب!
(
هذان مثالان عن المساحة التي يصف فيهما القاص شخصيات عمله، فإذا ذهبنا إلى الحوار الذي ينطق فيه رسول الله والسيدة خديجة وجدناه غير لائق لا سيما قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وتجعلك كلماته تستشعر أنك تستمع إلى شاب ممن تعرف، ولا يجعلك الأسلوب تستشعر أنك تسمع لأفصح العرب.
وسأورد مثالا واحدا ورد ص40 عندما ذهبت نفيسة تحدثه بأمر السيدة خديجة:
- وكيف أدفع هذه الوحشة يا نفيسة؟ إنني فقير لا أستطيع أن أحقق ما ترمين إليه من الزواج، وليست كل امرأة تصلح زوجا، وليس الزواج لعبة يا نفيسة كما يتخذه بعض الناس بل هو مهمة صعبة".
انظر كيف يقول النبي: وليس الزواج لعبة!
ومن أراد المزيد فليقرأ حوارات النبي مع السيدة خديجة ص 50 وص51، وغير ذلك من الحوارات.
(9)
فإذا تركنا الحوار ولغته ويممنا صوب الشخصيات وأهميتها وجدنا السيدة خديجة هي الشخصية الرئيسة في القصة سواء ظهرت في الأحداث أم لم تظهر، ووجدنا الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كذلك.
(10)
فإذا تركنا هذا وصوبنا شطر الأحداث وجدنا أحداثا سأتوقف بشأنها إلى حين مزيد بحث، فإن البحث الذي قمت به لم أصادفها فيه، لكنني سأذكر بعضها لعل أحدا يفيدني بشأنها شيئا.
1- ص71: ودعت السيدة خديجة رضي الله عنها صاحباتها وجاراتها ... ثم كادت صدور بعضهن تنشق وخديجة تخبرهن برسالة زوجها".
فلم أعثر على ما يؤيد ذلك خلال زمن الدعوة السرية.
2- ص 82 عند حديثه عما بعد مجيء الوحي بعد انقطاعه زمنا: "وخرجت معه إلى الكعبة تصلي خلفه أمام الناس غير عابئة بالسخرية اللاذعة التي تنبعث من حولهما من كل مكان".
3- ص89-ص90 بخصوص الوليمة التي أعدها الرسول صلى الله عليه وسلم لوجهاء مكة عندما أمر بالجهر والإنذار العام.